دراسات إسلامية

 

 

جيل «سالي»

 

 

 

بقلم : الأستاذ أشرف شعبان أبو أحمد / جمهورية مصر العربية (*)

 

     أثارت عملية إزالة الأعضاء التناسلية للطالب «محمد عبد الله» الطالب بكلية طب الأزهر السنة الخامسة ، والتي تمت في مطلع التسعينيات من القرن الماضي بناء على طلبه ، ليتحول بعدها إلى أنثى تدعى «سالي» ، الرأي العام المصري والعربي وقتذاك . وقد أجريت مثل هذه العملية خلال العقد الماضي تكرارًا ومرارًا ، وصاحب إجراء كل عملية إثارة للرأي العام مثلما حدث أول مرة ، على الرغم من أن مثل هذا التحول من ذكر إلى أنثى أو العكس يحدث باستمرار ، ويترأى للجميع على الملأ وبدون إزالة أو تغيير للأعضاء التناسلية ولا ينال أي اهتمام يذكر. فهناك ظاهرة واضحة وملفتة للنظر يعيشها أعداد كبيرة من شباب أمتنا «إلا من رحمه الله»، هؤلاء الشباب أصحاب هذه الظاهرة يتصفون بعدة سمات قبل أن نستطرد في ذكرها يجب أن نشير إلى أن هذه الظاهرة لا تخرج عن كونها إحدى المخططات ، التي توجه إلى مجتمعاتنا العربية والإسلامية لإصابتها في مقتل ، حيث قصد بها شبابنا مستقبل الأمة وأملها ، وقد أدير هذا المخطط تحت عنوان المساواة بين الجنسين ، وكالعادة نصب لنا الفخ على طريقة دس السم في العسل ، فأفرز في النهاية جيلاً سنطلق عليه مجازا «جيل سالي» باعتبارها صاحبة أول تحويل علني يستكمل بإجراء عملية جراحية ، هذا الجيل من سماته :

     إذابة الفروق المظهرية والشكلية بين الجنسين، وانسلاخ كل طرف من بني جنسه ، وتشابهه بالجنس الآخر في المظهر والملبس ؛ حتى لا يكاد يستطاع التمييز بينهما ، فقد مر على شبابنا وقت يطيل الشاب فيه من شعر رأسه، ويرتدي السلاسل في الرقبة والأنسيال في المعصم، ويمضغ اللبان ويتمختر في المشي ، ويرفع من صوته ويتحدث برقة ونعومة ومن قبل حلق لحيته وقص شاربه ، وعلى العكس من ذلك تجد الفتاة التي تقصر من شعر رأسها تشبها بالفتيان وترتدي ملابس الرجال وتضع من الأكسسوارات ما يظهرها، كما لو كانت ذات عضلات مفتولة ، حتى إذا نظرت إلى أي فريق من الجنسين لا تعلم لأي طرف ينتمي أ ذكر كان أم أنثى . بينما حرص الإسلام على التميز بين الرجل والمرأة في المظهر والملبس ، ولعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ، وفي رواية للبخاري لعن رسول الله المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء «أي المتشبه بالرجال»، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لعن رسول الله الرجل يلبس لبس المرأة، والمرأة تلبس لبس الرجل .

     ومن سمات جيل «سالي» أيضا أن ممن ينتسبون إلى الذكور فيه يتهربون من التجنيد وأداء الخدمة العسكرية ، في حين تتقدم الإناث منهم للالتحاق بالكليات والمعاهد العسكرية، ويقدن الطائرات ويقفزن بالمظلات ، بينما كان صغار أبناء صحابة رسول الله يتنافسون على الخروج إلى الجهاد ويتباكون، إذا لم يجز القائد لهم الاشتراكَ في المعركة لحداثة سنهم . يحكي لنا التاريخ أنه لما خرج المسلمون إلى أحد للقاء المشركين استعرض النبي الجيشَ ، فرأى فيه صغارًا لم يبلغوا الحلم حشروا أنفسهم مع الرجال؛ ليكونوا مع المجاهدين في إعلاء كلمة الله ، فأشفق عليهم النبي ورد من استصغر منهم . وكان فيمن رده رافع بن خديج وسمرة بن جندب، ثم أجاز رافعًا لما قيل إنه رامٍ يحسن الرماية، فبكى سمرة وقال لزوج أمه : أجاز رسول الله رافعًا وردني مع أني أصرعه ، فبلغ رسول الله الخبر فأمرهما بالمصارعة فكان الغالب سمره فأجازه. فقد كان أبناء الصحابة رضي الله عنهم على جنب عظيم من الشجاعة الفائقة والبطولة النادرة ، وكانوا يتشوقون للخروج للجهاد كمن يتشوق لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في أحد المتنزهات .

     وقد كان الآباء يربون أبناءهم منذ الصغر على الفروسية، والرماية والشجاعة والإقدام، واقتحام الأخطار وتحمل الشدائد، عملاً بقول سيدنا عمر بن الخطاب (علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل)، وكلها أمور تدفع إلى الرجولة وتبكر منها ، ولم يكن يوجد وقتذاك أندية رياضة ، ولا كليات ومعاهد لتخريج وإعداد رياضيين ، ولا أجهزة أو أدوات رياضية ، ولا طب رياضي ، ولا ألعاب أو مسابقات رياضية متعددة ومتنوعة مما نسمع عنه ونراه في أيامنا هذه . بينما جيل «سالي» حول النوادي والساحات الشعبية منبت أبطالنا في شتى فروع الرياضة إلى خلوات، لالتقاء الأحبة والعشاق وراغبي اختلاس المتع الجنسية من قبلات وأحضان وخلافه، وإلى أوكار لتعاطي المواد المخدرة والسجائر، والإسلام يحرم أن يختلي رجل بامرأة ليس ذا محرم لها، ويحرم أن يتبادلا معًا مثل هذه المنكرات، فضلاً على أنه يحرم تعاطي أية مواد مخدرة أو مسكرة أو أية مواد تضر بالصحة . كما أصبحت هذه المواد من المألوفات لدى طلاب المدارس والجامعات، والتي تحولت هي الأخرى إلى مسارح تقادم داخلها حفلات الرقص والغناء بعد أن كانت هي الفتيل الذي يشعل شرارة التعبير عن الرأي الحر حيث بداية المسيرات الطلابية المناهضة للحكم .

     وقد هجرت المرأة من جيل «سالي» بيتها وخرجت تعمل ليلاً قبل نهار ، تزاحم الرجال وتحل مكانهم في أعمال اقتصرت فيما مضى على الرجال ، يمر وقت العمل وسط المزاح والضحك والابتسامات المتبادلة بين العاملين والعاملات بخلاف الألفاظ الحرجة والخارجة عن الآداب، التي أصبحت شيئًا عاديًا بحكم تواجدهما معًا لساعات طويلة كفيلة لإذابة جدار الكلفة والحياء بينهما ، وتمضي فترات الراحة والعطلات في المجاملات وزيارة زملاء وزميلات العمل ، بينما هي في منزلها عابسة الوجه كئيبة مرهقة لا تتزين ولا تتجمل لزوجها، وتمضي وقتها بين النوم والاستعداد للخروج . وقد تنازل الرجل عن قوامته على النساء، واستغنى عن قيادته لهن وفقد كلمته في عقر داره وأصبحت الكلمة الأولى والأخيرة لهن ، وإزاء ذلك تخلت المرأة عن أنوثتها ، فاكتظت المقاهي والكازينوهات بالسيدات والآنسات يدخن النرجيلة ويقهقهن بملء فمهن، بينما كنا في وقت من الأوقات نعيب على من يمكث على المقاهي من الرجال . ولذلك نجد في جيل «سالي» الزوجة التي قتلت زوجها ، والأم التي قتلت ابنها بالاتفاق مع ابنتها ليخلو لهما الجو مع عاشقيهما ، والابن الذي قتل أبويه ، بخلاف الانحلال الخلقي الذي أصبح سمه مميزة لهذا الجيل. بينما الإسلام يحث النساء على لزوم بيوتهن وعدم الخروج منها إلا للضرورة ، وللمرأة التي تقعد في بيتها ترعي شؤون زوجها وولدها أجر المجاهدين . ولا أحد ينكر أن أسماء بنت أبي بكر كانت تزرع الأرض وتداوي الجرحى ؛ بل تقاتل قتال الأبطال عندما يتطلب الأمر ذلك ، وعائشة رضي الله عنه كانت تروي الحديث وتفتي في الدين وتشير في السياسة ، وأم عمارة ظلت يوم أحد تدافع عن الرسول عليه الصلاة والسلام بعد فرار الكثير من الصحابة ، حتى ملأت الجراح جسدها ، وغيرهن شاركن في ميادين العمل والقتال ، ولكن لم تخضع أي منهن بالقول لرجل ، ولم تمازحه بالكلام أو اللمس ، ولم تخل به أو تتزين له ، وتبدي له من مفاتنها ما قد تخفيه عن زوجها ، ويروي لنا التاريخ أن أسماء بنت أبي بكر كانت عائدة يوماً من الأرض التي تمارس زراعتها سيرًا على الأقدام فعرض عليها رسول الله أن تركب خلفه على راحلته ، فاعتذرت لنبي الله لأن زوجها شديد الغيرة عليها ، وهي لا تريد أن تؤذي مشاعره حتى بمجاورة رسول الله والذي كان الصحابة يتنافسون في القرب منه والحديث معه والنظر إلى وجه ، فلنقارن بين موقف أسماء هذا وبين ما عليه بنات جيل سالي مع زملائهن في العمل والنادي وجيرانهن في المسكن والحي .

     وبينما كانت أمتنا تفتخر بأنها تمتلك ثروة بشرية من الشباب والرجال لا تعرف المستحيل، ولا يحبط من آمالها عظم التحدي ووعورة الطريق ، لأن قدرتها على العطاء غير محدودة وطاقتها على تحمل المشاق وتقديم التضحيات يشهد عليها تاريخنا الطويل ، نجد جيل «سالي» يتهرب من تحمل المسؤولية مهما كانت الطرق يسيرة أمامه ، لأنه يخشى على قدميه وما كان جيلنا إلا ناحتًا في الصخر ليشق لنفسه طريقا ، ولو غير ممهد ليعدو عليه .

     وجيل «سالي» وهو جيل كما يحلو للبعض أن يسميه جيل تليفزيوني يستمد منه ثقافته ومعارفه ، وللأسف هذا تعبير خاطئ، لأنه لا يشاهد إلا الغث التافه من البرامج الموجهة، لإفساد عقله وتميع هويته وإضاعة انتمائه وإبعاده عن عقيدته الإسلامية ، وجاء الفيديو ومن بعده الفضائيات والذي أساء استخدامهما شأنهما في ذلك شأن أي سلطة أو وظيفة توكل لأي فرد من جيل «سالي»، فاستخدما لمشاهدة أفلام الإثارة الجنسية والأفلام الخليعة والأباحية، التي تبعث على الانحلال الخلقي، وتجعل من الفهلوة والفتاكة مفخرة للشباب ومنهاجا لحياتهم ، ولذا لم يكن غريباً أن نجدهم يقتدون بالفنانين والفنانات والمغنيين والراقصات ، يغطون بصورهم حوائط المنازل وأبواب السيارات، ولم يفتهم أن يعلقوها على ملابسهم .

     جيل سالي لا يعرف من تاريخه وتراثه وجذوره وجهاد أسلافه ، إلا ما يميله عليه مؤرخو الغرب الصليبي الحاقد على الإسلام والمسلمين ، وهو جيل تائهه بين متناقضات عديدة ومتعددة ، وقد نشأ وترعرع فاقدًا للقدوة الصالحة ، فتخلى عن أصالته وانسلخ من عراقته ، وتعلق بأوهام وأحلام زائفة استوردها من الغرب وأهله ، بل وتشبه بهم وتشبع منهم ، والرسول عليه الصلاة والسلام يحذرنا من ذلك في قوله (ليس منا من تشبه بغيرنا) ونجد من جيل «سالي» من يهجر بلاده سعيًا إلى العمل في أحط وأدنى الخدمات هناك ، والفتيات هجرن العفة والشرف في بلادهن واتجهن إلى التعري والعمل في الملاهي الليلة والكباريهات في الغرب والأمثلة كثيرة على صدق حديثنا . جيل «سالي» جيل الزحمة والضوضاء والضجيج والصوت العالي والإزعاج ، جيل الأزمات والاختناق ، جيل الفساد والتلوث .

     هذه هي بعض مميزات جيل «سالي» والتي متى وجدت في شخص يعرف عنه أنه لم يستقر بعد على جنس أو نوع معين ذكرًا كان أم أنثى ، وأنه قابل للتحول من نوع إلى آخر وبدون إزالة أو تغيير الأعضاء التناسلية ، وعلى الرغم من كل هذا فإن كل منا مسؤول عن تواجد وتكاثر جيل «سالي» فلولا مساعدتنا على وجوده بإيجاد البيئة المناسبة لنموه لم يكن له وجود ، فالنبات لا ينبت إلا في وجود من يرعاه ويسقيه ويوفر له السماد المشجع على النمو، وفي ذلك لا نلوم إلا أنفسنا وإذا نشدنا الإصلاح فلنبدأ بأنفسنا ، قال تعالى ( إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوْا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) سورة الرعد آية 13 .

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . شعبان – شوال 1426هـ = سبتمبر – نوفمبر 2005م ، العـدد : 8–10 ، السنـة : 29.

 



(*) 6 شارع محمد مسعود متفرع من شارع أحمد إسماعيل وابور المياه – باب شرق – الإسكندرية ، جمهورية مصر العربية.

           الهاتف : 4204166 ، فاكس : 4291451

           الجوّال : 0101284614

         Email: ashmon59@yahoo.com